أوروك: أولى المدن على وجه البسيطة


أوروك: أولى المدن على وجه البسيطة
كتاب حول نشأة مفهوم الدولة
(ثورة حضارية غيّرت مسار البشرية جمعاء من مجتمع اللاّدولة إلى مجتمع الدولة)
د. عزالدين عناية*



مترجم الكتاب د. عزالدين عناية
في نطاق السعي الجاد لرفد المكتبة العربية بمجموعة من الأعمال الإيطالية جراء النقص الحاصل في الترجمة من هذه اللغة، أصدر "مشروع كلمة" الإماراتي مؤلفا إيطاليا جديدا بعنوان: "أوروك: أولى المدن على وجه البسيطة". وهو كتاب تاريخي أثري قيّم من تأليف عالم الآثار الإيطالي ماريو ليفِراني وترجمة الجامعي التونسي عزالدين عناية.
يعالج الباحث وعالم الآثار ليفراني مسألة أصل المدينة والدولة، وذلك استنادا إلى معطيات أثرية وتاريخية موغلة في القدم، باعتبار الحدث شكّل فعلا ثورة حضارية، قلبت مسار البشرية جمعاء. جاء اختيار حالة أوروك (مدينة الوركاء العراقية حاليا)، بموجب طابع القِدم الذي لفّها، ولكونها الأعرق في هذا المجال. إذ ليست فقط مصر ومنطقة وادي السند في مقام ثان بعد أوروك، بل حتى الحالة الصينية النائية أيضا. فمن تلك البؤرة الأصلية، من أوروك، كان انتشار أنموذج الدولة في شتى أرجاء البسيطة، تارة مقلَّدا وأخرى محوَّراً حتى يتكيّف مع أوضاع مغايرة.
ففي أعقاب المسار الطويل لحضارات العصر الحجري الحديث، من الألف التاسع إلى الألف الرابع قبل الميلاد، شهدت أوروك أول ظهور للمجتمع المتكامل في أحضانها، على هيئة دولة. ومع المراحل المتقدّمة من هذا التطوّر (عصر أوروك المتأخّر، 3500-3000 قبل الميلاد تقريبا) لاح الاكتمال النهائي لسياق التطوّر، حيث رافقته تكتّلات عمرانية بمستويات غير مسبوقة، وبهندسة معمارية ضخمة وبرونق فخم، وكذلك بانطلاق الكتابة، التي تبعها ميلاد إدارة متطوّرة وعامة.
كان لا بد من رابط تتماسك بموجبه أركان الدولة، استندت فيه أوروك إلى إيديولوجيا ذات طابع ديني. فالدولة، وفق الأنموذج المنبثق مع الثورة الحضارية، كانت في جوهرها دولة مكافأة، منتظمة ضمن دائرتين، داخلية وخارجية. تحصل فيها الأولى من الثانية، على فوائض العمل، وهو ما يتمّ صرفه في المحافظة على الحِرفيين، وعلى سير أشغال جهازي التنفيذ والتوجيه، وعلى تسيير مقاليد الدولة بلغتنا الراهنة.
لقد حفّزت تلك الثورة الإبداع التقني، حيث نشط تصنيع واستعمال أدوات البذر، وآلات الدريسة، ومناجل الحصاد، فضلا عن مدّ قنوات الري واعتماد أساليب متنوعة في السقي. كما لعب إنتاج الشعير والصوف، فضلا عن المعاملات التجارية الخارجية والصناعات الحرفية التي ترعاها الدولة، دورا مهما في تلك التطورات، وهو ما أرسى بالفعل دعائم نوع من الاقتصاد المتكامل. وما كان لتلك الأشغال أن تتوسع لولا استنادها إلى نظام تسجيل عماده الكتابة، وهو ما أفرز نظام خدمات إدارية، عضدته مهارات تسيير وقدرات حسابية دقيقة استوجبها الاقتصاد النشيط، تولى شأنها خبراء في التسجيل والحساب والتصرّف، وظّفوا أثناءها رُقُما صغيرة من الطين، لضبط الأعداد والأمتعة والأسماء والسندات العائدة إلى خزينة الدولة. بالفعل، مثّلت أوروك تحوّلا من مجتمع اللادولة إلى مجتمع الدولة، فشَتْ عدواه الحضارية شرقا وغربا وامتدّ إلى أقاصي المعمورة.
مؤلّف الكتاب هو عالم الآثار الإيطالي ماريو ليفِراني، المرجع البارز في تاريخ الشرق القديم، هو من مواليد روما عام 1939، وهو أستاذ في جامعة "لاسابيينسا"، وأستاذ زائر بجامعة شيكاغو. شارك في العديد من أعمال التنقيب الأثري في سورية وتركيا وليبيا. من بين أعماله المنشورة "أكد: أولى الإمبراطوريات العالمية"؛ "جغرافية آشور الحديثة"؛ "الحرب والدبلوماسية في الشرق القديم 1600-1100 ق.م".
أما المترجم عزالدين عناية، فهو أستاذ تونسي إيطالي يدرّس سويا مع مؤلّف الكتاب في جامعة "لاسابيينسا" في روما. ترجم عدة أعمال من الفرنسية والإيطالية، منها: "علم الأديان: مساهمة في التأسيس" لميشال مسلان، و"السوق الدينية في الغرب" لمجموعة من الباحثين، و"مدخل إلى التاريخ الإغريقي" للُوتشانو كنْفُرا، من أعماله الأخيرة الصادرة: "العقل الإسلامي"دار الطليعة بيروت 2011.

أوروك.. أولى المدن على وجه البسيطة
تأليف: ماريو ليفِراني
ترجمة: عزالدين عناية
الناشر: (كلمة ) أبوظبي 2012.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شاهد أجمل باقة صور لمنطقة قصر غيلان

مخيم كشفي دراسي بجهة قبلي

سراب الهجرة الى روما